وزير الأوقاف يحدد ثقافة الدعاة
لا شك أن الثقافة من أهم مفاتيح الفكر الرشيد ، والتفكير السديد ، وأن ضيق أو انسداد الأفق الثقافي أحد أهم عوامل الجمود والانغلاق وسوء الفهم ، وأنه كلما اتسعت المدارك الثقافية للإنسان أهلته للحكم الدقيق على الأشياء ، فعلماء النفس على أن المعلومات الوافدة على الذهن تفسَّر في ضوء المخزون فيه ، فكلما كان المخزون الثقافي كبيرًا سهل على العقل فهم واستيعاب وتفسير الوافد الفكري ورؤيته بمقياس أدق ، وعلى العكس كلما كان المخزون الفكري والثقافي ضئيلا لدى شخص ما عقّد عليه عملية التلقي والفهم والتعامل مع الوافد الفكري أو المعرفي الجديد ، وقد قالوا : النشاط يولّد النشاط ، والكسل يراكم الكسل ، ويؤدي إلى الإخفاق والفشل ، كالعضلات التي تضمر حين ينقطع صاحبها عن تدريباته وتمريناته ، أو أعماله البدنية أو اليومية ، فإن النشاط الذهني الثقافي يوسع المدارك ويعين على الفهم الصحيح للأشياء ، وحسن التقدير للأمور , وقد تعلمنا أن الإنسان لن يصل في العلم ولا في الثقافة إلى ما يريد حتى يتعلم ما يريد وما لا يريد ، وأن ما قد يراه الإنسان من ضروب العلم غير ضروري اليوم قد يراه من الضرورة بمكان غدًا ، ويود أن لو كان قد أخذ منه بنصيب وافر أو حظٍّ أوفر .
ولعل من أيسر التعاريف لمفهوم الثقافة والمثقف هو أنه من يعرف كل شيء عن شيء وشيئًا عن كل شيء ، بأن يتقن الإنسان تخصصه الدقيق الذي ينبغي أن يتمكن منه وينبغ فيه ويصير فيه عَلَمًا يشار إليه بالبنان ، ويعرف شيئًا عن كل شيء من علوم الحياة وفنونها ، وقد يتسع أو يضيق هذا الشيء على قدر قربه من التخصص الدقيق للإنسان ومدى الحاجة إليه في خدمة المجتمع والحياة العامة ، مع تأكيدنا أن الثقافة أمر تراكمي ، فكلما كانت المعلومات المتراكمة عبر الزمن أكثر كانت الثقافة أغزر وأعمق.
وقديمًا قالوا : الأدب مناط جماع العلم والثقافة ، ذلك أن الأديب ينبغي أن يلم من كل فن في الحياة بطرف مع إجادته لفنون صنعته ؛ لأنه لسان الحياة والناس يعبر أدبيًّا عن أحاسيسهم ومشاعرهم وأحوالهم وآمالهم وأمانيهم ، فكلما كانت تجاربه الإنسانية واسعة كانت تجربته الأدبية أعمق وأبقى وأكثر تأثيرًا وانتشارًا ، لذا رأينا أدب الحِكَمِ من أكثر ألوان الأدب خلودًا وانتشارًا ، وما ذاك إلا لتعبيره عن تجارب إنسانية مشتركة مع ما يتطلبه من دقة الصنعة والصياغة .
ومن هذا المنطلق عملنا في مجال تدريب وتثقيف الدعاة على تعدد وتنوع المشارب الثقافية ، والدورات التدريبية المتخصصة ، فوضعنا برنامجًا حول التثقيف بطبيعة حروب الجيل الرابع ، وحروب الجيل الخامس ، ومفاهيم وتحديات الأمن القومي ، نفذنا الدورة الأولى منه بالتنسيق مع أكاديمية ناصر العسكرية العليا ، وكلية الدفاع الوطني بوزارة الدفاع، وجار التوسع في هذه الدورات لإيماننا بأهميتها في تحصين المجتمع من مخاطر الحروب الفكرية وحروب الشائعات ومحاولات بث اليأس والإحباط في المجتمع .
كما نعد لعدة دورات متخصصة في القضايا الطبية المعاصرة يشترك في أدائها الأطباء وعلماء الدين معًا ، وأخرى حول القضايا المالية المعاصرة يشترك فيها رجال الاقتصاد المتخصصون مع علماء الدين المعنيين بهذه القضايا ، وكذلك دورات في علم النفس ، وعلم الاجتماع ، وعلم الجمال ، والتاريخ والحضارة ، وجغرافيا العالم الإسلامي ، والتواصل الإعلامي والتكنولوجي ، مع دورات متخصصة في اللغات الأجنبية بدأناها بأربع لغات هي: الإنجليزية ، والفرنسية ، والألمانية ، والأسبانية ، تُدرّس فيها القضايا الدعوية والشرعية باللغات الأجنبية للسادة الأئمة من خريجي أقسام اللغات والترجمة ، وعدد غير قليل منهم حاصل على الماجستير والدكتوراه في الجوانب الشرعية بإحدى اللغات الأجنبية ، علمًا بأن هذا كله يأتي إضافة إلى الدورات العلمية المتخصصة الثابتة في العلوم الشرعية والعربية، إضافة إلى معسكرات التثقيف العام وبرامج التدريب الفني والمهني والمهاري .